مقدمة
أن الدولة تضمن للشخص حماية حقه عن طريق القضاء وتخوله سلطة الحصول على هذه الحماية، فهي تنظم سلطة القضاء لمنح الحماية القانونية وتخول الشخص صاحب الحق أو المركز القانوني (المعتدى عليه) سلطة أو حق الحصول على هذه الحماية[1].وهذه السلطة أو الحق هي التي تسمى بالدعوى القضائية أو اختصارا (بالدعوى). وبالرغم من وجود وسائل أخرى لحماية الحق [2]، ولقد عرفت مجلة الأحكام العدلية الدعوى في المادة 1613 بأنها ( طلب أحد حقه بحضور الحاكم ويقال للطالب المدعي وللمطلوب المدعي عليه) فإن الدعوى تظل هي الأصل وهي أهم هذه الوسائل لما تتميز به من العمومية، ومن عنصر الالتجاء الى القضاء، فضلاً عن إحاطتها بالضمانات التي تجعلها أسلم سبل حماية الحق[3]، ولهذا فقد كان من الضروري أن تحظى (نظرية الدعوى) بعناية خاصة من طرف المشرع، يضاف الى ذلك ان نظرية الدعوى هي المركز الوسط بين القانون المدني وقانون المرافعات. وان قبول الدعوى يعني حق المدعى في رفعها ومن ثم يعني سلطة القضاء في نظرها، ولقبول الدعوى يستلزم تواجد شروط معينة لقبولها. وسنتطرق هنا الى شروط قبول الدعوى لغايات المادة المطلوبة وسوف نقسم بحثنا الى ثلاثة مطالب وهي كالتالي:
المطلب الأول: أنواع الشروط لقبول الدعوى
المطلب الثاني: الاهلية والصفة كشرط لقبول الدعوى
المطلب الثالث: المصلحة كشرط لقبول الدعوى
المطلب الأول: أنواع الشروط لقبول الدعوى
للدعوى ثلاثة أنواع من الشروط يجب التمييز بينها وهي الشروط الخاصة والشروط العامة والشروط السلبية والتي تعرف (بموانع الدعوى).
اولاً: الشروط الخاصة لقبول الدعوى
وهي تلك الشروط التي خصصها القانون في بعض الدعاوى دون غيرها، وهي بذلك تضاف الى الشروط العامة ولا تحل محلها[4]. والمثال عليها المواعيد المخصصة لدعوى الشفعة، والميعاد الخاص بدعوى ضمان العيوب الخفية، والميعاد الخاص بدعوى فسخ العقد.
ثانياً: الشروط العامة لقبول الدعوى
وهي تلك الشروط الإيجابية التي يتطلبها القانون لقبولها في كل الدعاوى دون استثناء، وقد اختلف الرأي الفقهي في تحديد تلك الشروط، فذهب رأي الى أنه يشترط لقبول الدعوى توافر الصفة والمصلحة والاهلية[5]، بين ذهب رأي ثاني الى أنه لا يشترط سوى المصلحة والصفة دون الاهلية[6]، ولكن الراي الراجح والسائد بان المصلحة هي الشرط الوحيد لقبول الدعوى. والمصلحة هي شرط لقبول كافة الطلبات اصلية كانت أو عارضه، وهي ايضاً شرط لقبول جميع الدفوع الشكلية او الموضوعية، وهي شرط لقبول أي طعن[7].
ثالثاً: الشروط السلبية (موانع الدعوى)
وهي تلك الشروط المانعة من قبول الدعوى، ومثالها انقضاء الدعوى بالتقادم، او لسبق الفصل في موضوعها، او بالصلح وكذلك إذا كان هنالك عقد او شرط او مشارطة تحكيم بشأن موضوعها[8].
المطلب الثاني: الاهلية والصفة كشرط لقبول الدعوى
لا تعتبر الاهلية شرطاً من شروط قبول الدعوى، وهذا يجعل هنالك خلط بين قبول الدعوى وصحة الدعوى، فلعديم الاهلية وناقصها ان يدافع عن حقوقه فدعواه مقبولة مادامت له مصلحة في رفعها، ولكنه لا يستطيع متابعة الإجراءات بنفسه فلا بد من يمثله في هذه الدعوى وليه او وصيه. وهنا شرط لقبول الدعوى بتمثيل القانوني لناقص الأهلية ولا كانت دعواه باطله، فالأهلية ليست سوى شرط من شروط صحة المطالبة القضائية والخصومة. والا وبموجب المادة 31 قانون المرافعات المدنية البحريني يمكن للخصم الدفع بنقص أهلية خصمه في أي مرحلة من مراحل الدعوى. فالأهلية المطلوبة هي أهلية التقاضي وهي أهلية الأداء التي تمنحه الحق في التصرفات القانونية بنفسه.
وقد اشارت المادة 50/2 من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني تنص على انه ( لا يضاف شخص فاقد الأهلية الى الدعوى بصفته مدعياً ما لم يكن له وصي او ولي ولا يضاف شخص إلى الدعوى بصفته وصياً أو ولياً بالنيابة عن مدع فاقد الأهلية بغير موافقة ذلك الوصي أو الولي الخطية) وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز[9] بما يلي: ( ان حكم المادة 50 من أصول المحاكمات الحقوقية لا يتعلق بالدعاوى التي أقيمت من شخص ليس له صفة أصلا في اقامتها، وانما يتعلق بالدعاوى التي يكون للمدعي صفة فيها غير انه فاقد الأهلية لإقامتها بنفسه كالصغير والمجنون والمحجور مثلاً وإذا أقيمت من هؤلاء فيكون للمحكمة ان تضم اليهم المدعي الحقيقي وهو الولي او الوصي.)
ويقصد بالصفة ان يكون المدعي صاحب الحق فعندئذ يكون هو صاحب الصفة الوحيدة في المطالبة به او الدفاع عنه [10]، حيث يرى الأستاذ الدكتور فتحي والي انه يقصد بالصفة كشرط في الدعوى ان تنسب الدعوى ايجاباً لصاحب الحق في الدعوى وسلباً لمن يوجد الحق في الدعوى في مواجهته فهو تمييز للجانب الشخصي للحق في الدعوى كما يرى انه في الغالب وبمجرد إثبات الحق أو المركز القانوني وحدوث الاعتداء وتثبيت
الصفة في الدعوى، ذلك لأن الدعوى التي تنشأ عن الاعتداء على حق معين تكون لصاحب هذا الحق في مواجهة المعتدي ولهذا السبب يميل كثير من الفقهاء الى عدم اعتبار الصفة شرطاً متميزاً لوجود الدعوى على ان مشكلة الصفة في جانبها الإيجابي او في جانبها السلبي قد تبرز منفصلة عن مشكلة اثبات الحق او المركز القانوني محل حماية ويبدو في الحالتين الاتيتين:
ولكن المشرع البحريني خالف هذا التوجه واوجب وجود الصفة كشرط لقبول الدعوى وان تستمر هذه الصفة في كل مراحل الدعوى ، حيث اعتبرت الصفة بانها من تعبر عن العلاقة التي تربط المدعي بالحق موضوع النزاع حيث يجب ان يثبت وجوده في الخصومة بصفة رسمية تؤهله لرفع الدعوى، واذا انتقل موضوع الدعوى الى خلفا خاص او عام تنتقل الصفة تبعية الى هذا الخلف الا فيما يتعلق بالحق اللصيق بالإنسان كالحق الادبي فلا ينتقل الى الخلف ولا تكون له صفة فيه الا اذا توفى صاحب الحق بعد رفع دعواه فتنتقل الى الخلف باعتبار ان هذه الصفة انتقلت اليه بالتركة.
كما وقد أشار المشرع البحريني في نصوص مواده الى الصفة الاستثنائية التي تمنح لغير صاحب الحق في قبول دعواه في حال الدعوى غير المباشرة التي يرفعها الدائن للمطالبة بحقوق مدينه المهمل دون ان ينبه مدينه حيث اعتبرها نيابة للدائن على مدينه لرفع الدعوى لمصلحة الدائن في مواجهة مدينه المهمل.
وأشار ايضاً الى الصفة الإجرائية حيث تعطي هذه الصفة صلاحية للشخص لمباشرة الإجراءات القضائية في الدعوى [11] ،مثال ذلك الشخص الذي يمثل الشخص الاعتباري كمدير الشركة او رئيس مجلس إدارتها، فالصفة للشركة بينما تكون للمدير الصفة الإجرائية في رفع الدعوى ومباشرتها.
المطلب الثالث: المصلحة كشرط لقبول الدعوى
ان لفظ المصلحة في عالم القانون يرتبط بعنصر من عناصر الحق، إذ يقال إن الحق مصلحة مادية أو أدبية يحميها القانون، وتطبيقا لذلك قضت محكمة التمييز الأردنية بما يلي : ان المبادئ القانونية المقررة كشرط لقبول الدعوى المدنية لدى القضاء العادي ان يكون لصاحبها مصلحة في اقامتها وان تكون هذه المصلحة مستندة الى حق ذاتي ومباشر، خلافاً لدعوى الإلغاء التي تقام لدى القضاء الإداري وعلة ذلك أن الدعوى المدنية تهدف الى حماية حق او لمنع التعدي على حق فاشترط القانون لقبولها ان تكون مصلحة رافعها مستندة الى حق كما هو واضح من نص المادة (1613) من المجلة[12].
ويجب ان تتوافر في المصلحة اوصاف حددها القانون لقبولها ولكي تكون معتبره قانوناً وهي:
والمصلحة القانونية اما ان تكون مصلحة مادية كدعوى المطالبة بالدين او التعويض، واما ان تكون مصلحة أدبية كدعوى التعويض عن السب او القذف. وسواء أكانت المصلحة مادية أم أدبية فإنها تكفي لقبول الدعوى طالما أنها تستند إلى حق أو وضع يحميه القانون.
حيث تنقسم الدعاوى التي تقبل فيها المصلحة الحتمية الى:
فطالما أن المصلحة بكافة اوصافها لا تستند الى حق او مركز قانوني يقره القانون سوف نكون امام مصلحة غير مشروعة، ولا يشترط ان تخالف النظام العام ولذلك فالتاجر الذي يطالب ببطلان عقد شركة منافسة هو بالفعل باطل يكون غير ذي مصلحة مشروعة. رغم ان مصلحته الاقتصادية واضحة، ليس لمخالفته النظام العام والقانون بل لان المصلحة الاقتصادية البحتة لا يقرها القانون فلا تقبل الدعوى بناء عليها[18].
الخاتمة
اختلفت أنواع الشروط القانونية لقبول الدعوى بين عامة وخاصة وسلبية وكان لكل منها الأثر في قبول او عدم قبول الدعوى واشترط القانون لقبول الدعوى عدة شروط وهي شروط ملزمة تستند الى وجود الحق او المركز القانوني المراد حمايته، ولكن اختلف الفقهاء لأهمية تلك الشروط والاخذ بها كشكل لقبول الدعوى ام صحة إجراءات مثل أهلية المدعي. ففريق اعتبر وجود الاهلية شرط للقبول واخر اعتبره شرط للصحة وليس القبول.
لذا وجب على الباحث في قانون معين البحث عن الشروط التي اتخذها القانون الباحث فيه لشروط قبول الدعوى بحيث تختلف من قانون الى اخر.
النتائج
التوصيات
نوصي على المشرع البحريني ان يعرف لنا ماهية المصلحة الواجبة التي اخذ بها كشرط لقبول الدعوى وان يحدد لنا ماهي تلك الشروط كما فعلت التشريعات الأخرى.
[1] فتحي والي، قانون القضاء المدني، الجزء الأول، رقم 40، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999ص90-مفلح القضاة، أصول المحاكمات المدنية والتنظيم القضائي، الطبعة الأولى، دار الثقافة، عمان، 2004، ص 191.
[2] كحق الدفاع الشرعي، والحق في الاحتباس كما وضعها القانون.
[3] احمد أبو الوفا، المرافعات المدنية والتجارية، الطبعة الثانية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1977، ص91.
[4] وجدي راغب، مبادئ القضاء المدني، دار الفكر العربي، القاهرة،1986، ص439
[5] عبد الباسط جميعي، مبادئ المرافعات في قانون المرافعات الجديد، دار الفكر العربي، القاهرة، 1980، ص277.
[6] احمد مسلم، أصول المرافعات، دار الفكر العربي، القاهرة، 1978، ص299.
[7] تمييز حقوق رقم 2436/2008، بتاريخ28/2/2008، منشورات مركز عدالة.
[8] انظر للمادة 11/1 من نظام التحكيم السعودي رقم م/34 الصادر1433
[9] انظر قرار تمييز حقوق رقم 266/76 ص 102 منه 1977.
[10] فتحي والي ،نظرية البطلان في قانون المرافعات الطبعة الأولى منشاة المعارف عام 1958 ص 72
[11] نبيل عمر، قانون المرافعات المدنية والتجارية، دار الجامعة الجديدة ، الإسكندرية، 1995،ص98
[12] تمييز حقوق 283/77 ص 1539 سنة 1977 تمييز حقوق 264/80 صفحة 605 سنة 1981.
[13] نقض مدني في 28 يناير 1977 طعن رقم 53 لسنة 1956.
[14] محمود العشماوي، قواعد المرافعات في القانون الأهلي والمختلط ج1 1928 بند 729
[15] محمد حامد، شرح المرافعات المدنية، 1940 بند 338
[16] عبد المنعم الشرقاوي، رسالة دكتوراه شرح المرافعات المدنية والتجارية 1950ص 129
[17] تمييز حقوق 247/ 80 صفحة 469 سنة 1981
[18] طلعت دويدار، الوسيط في شرح قانون المرافعات، دار الجامعة، الإسكندرية، 2012، ص383